بعد لحظات معدودة، كان الهلع قد أخذ منها كل ما أخذ. باتت ضرباتها على باب المصعد أشد هستيرية، تنم عن يأس بالغ. لوهله، خيل إليها أن كابوسها الأسوأ على وشك أن يتحقق، وأنها هي الطريدة البائسة، قد وقعت في شركه أخيراً. فعدا عن خشيتها من العناكب ومختلف أنواع الحشرات، ما من شك أن رهاب الاحتجاز يتصدر لائحة مخاوفها. بقيت على هذه الحال، تحت تأثير الصدمة المفاجئة، لدقائق، قبل أن يبدأ عقلها المضطرب بالتحليل: أنها معلقة بين السماء والأرض، في علبة خشبية عمرها من عمر علي بابا وفانوسه السحري على الأرجح…. لا، ذاك علاء الدين. مع من يجب ربط علي بابا يا ترى؟.. لكن فيما تفكرين أيتها البلهاء؟!!.. يبدو أنك بدأت بالهلوسة فعلاً. استعيدي رباطة جأشك. فكري. لابد من وسيلة تخلصك من هذا التابوت المتحرك، لا بد.
فجأة تذكرت الآلة الرنانة في حقيبتها: يالي من غبية، كيف لم أفكر في ذلك قبلاً؟ وما كان منها إلا أن أمسكت بهاتفها الخلوي على عجل، وسارعت تطلب رقم صديقتها. لكن…… حدث ولا حرج عن الخيبة التي حلت بها، عندما طالعتها العبارة التالية:
“لم يعد لديك وحدات. إبتداء من منتصف ليل اليوم، لديك فترة ثلاثة أيام لتعبئة رصيدك وإلا……..!”
أعرف، أعرف وإلا سأفقد رقمي !-
بعد أن تفوهت بالكلمات الأخيرة. رمت الهاتف إلى جانبها بغضب، وهي تعلل نغسها أن منال لا شك ستتصل بها عما قليل، لتستطلع سبب تأخرها!… أما الآن، فليس أمامها إلا أن تترك جسمها ينزلق إزاء السطح الخشبي، وتحاول أن تحشر نفسها على هذه الأرضية المغبرة، لتتكور كقطة ضعيفة. بإنتظار شيء ما.. في هذا الوقت أخذت تجيل بصرها في أنحاء المكان المقفر، كمن يترقب ساعة تتحرك الجدران الأربعة نحو بعضها البعض، لتندمج في عمود واحد لا غير، كانت النواحي الأربع مليئة بشتى أنواع الكتابات والنقوش والرسوم، حتى وسعها القول أن نقطة واحدة لم تسلم من أيدي مستقلي المصعد. يبدو أن هذا الآلة كانت بطيئة جداً بالنظر إلى تمكنهم من نحت هذه الخربشات الطويلة كلها… أو لعل الكثيرين غيرها سبق أن مروا بوضعها هذا، فأنفقوا ساعات طويلة أو ربما أيام، في سرد رحلتهم داخل العلبة العتيقة، قرأت
سين وميم معاً إلى الأبد. هممم. أتساءل إن كانا ما يزالان معاً. أم أن الأبد مدته مدة اللحظة التي حفر فيها سين (أو ميم) جملته فوق اللوح المصفر؟ أو ربما يدوم الأبد طيلة فترة الصرخة التي هتف فيها الحبيبان: نحن معاً إلى الأبد. ففي تلك الثواني المعدودات صدق يجعل المرء يخال أنه. فعلاً يملك مفاتيح الأبد في يده. أبدنا هو إذا تلك اللحظات التي ننعم بها الآن، هو فكرة بقائنا معاً لا هذا البقاء بحد ذاته، هو ذلك الاعتقاد الساذج أن الحب سيقهر كل العوائق بطريقة من الطرق، في يوم من الأيام
“هه! سيكون هذا خبر الموسم، حين أخبر الجميع أين قضيت عيد الحب هذه السنة. في الواقع. بعد التفكير، لا أظن أن هذا يخالف توقعاتي تماماً. كل ما في الأمر أن المكان أضيق مما تخيلته، أما الأفكار والهلوسات فلا تخرج عن نطاق المألوف كثيراً”
بعد قليل تناهى إليها عواء الجوع في معدتها. لنر ما في الحقيبة: محفظتها طبعاً. وبضع قصاصات قديمة تحمل أرقاماً لم تتصل بها يوماً، وحزمة كبية من المفاتيح، و… يالحظها!، نصف لوح من الشوكولا!… كيف يعقل أنها تركته ينجو من قبضتها؟ فضلاً عن مرآة صغيرة، ومنديل، وقلم رصاص.. حمداً لله أنها لم تتخل عن عادة وضع الأقلام في حقيبتها. سوف تكتب خواطرها الأخيرة، في حال لم يكتب النجاة من أزمتها، وستتركها لمن يسعفه الحظ باكتشاف كنزها الورقي! ستكتب كل ما تريده. وكل ما يخطر في بالها. آه أرادت أن تخط على باب المصعد عبارة تافهة إضافية تشير إلى أنها “مرت من هنا”
حانت منها إلتفاتة إلى ساعتها. لما لم يتصل بها أحد حتى هذا الوقت؟. ألم يشعر أحد بوطأة غيابها؟ ألا يشكل غيابها أي فرق بالنسبة لأحد؟ ثم ما بال هذه البناية المهجورة هل فرغت سكانها؟ لكأن الهواء بدأ ينفذ من حولها. تعب شديد يتحكم بها، لم تملك إزاءه إلا أن تذهب في إغفاءة طويلة، طويلة جداً
يا آنسة.. يا آنسة -
شعرت بيد تهزها. فتحت عينيها وهي تتلفت من حولها يضياع و غرابة. ثم نظرت إلى السيدة الواقفة عند باب المصعد
يا آنسة، عودي إلى بيتك. ليس مصعدنا بفندق -
حين استعادت رباطة جأشها، ضحكت ضحكة خافتة، ثم وثبت من جلستها على عجل، وطبعت على وجنة السيدة قبلة سريعة
فندق! ها! باي! كل حب وأنتي بخير -
رمقتها السيدة بنظرات استهجان وما لبثت أن هزت برأسها متمتمة:
“يا لشباب هذه الأيام!”
فجأة تذكرت الآلة الرنانة في حقيبتها: يالي من غبية، كيف لم أفكر في ذلك قبلاً؟ وما كان منها إلا أن أمسكت بهاتفها الخلوي على عجل، وسارعت تطلب رقم صديقتها. لكن…… حدث ولا حرج عن الخيبة التي حلت بها، عندما طالعتها العبارة التالية:
“لم يعد لديك وحدات. إبتداء من منتصف ليل اليوم، لديك فترة ثلاثة أيام لتعبئة رصيدك وإلا……..!”
أعرف، أعرف وإلا سأفقد رقمي !-
بعد أن تفوهت بالكلمات الأخيرة. رمت الهاتف إلى جانبها بغضب، وهي تعلل نغسها أن منال لا شك ستتصل بها عما قليل، لتستطلع سبب تأخرها!… أما الآن، فليس أمامها إلا أن تترك جسمها ينزلق إزاء السطح الخشبي، وتحاول أن تحشر نفسها على هذه الأرضية المغبرة، لتتكور كقطة ضعيفة. بإنتظار شيء ما.. في هذا الوقت أخذت تجيل بصرها في أنحاء المكان المقفر، كمن يترقب ساعة تتحرك الجدران الأربعة نحو بعضها البعض، لتندمج في عمود واحد لا غير، كانت النواحي الأربع مليئة بشتى أنواع الكتابات والنقوش والرسوم، حتى وسعها القول أن نقطة واحدة لم تسلم من أيدي مستقلي المصعد. يبدو أن هذا الآلة كانت بطيئة جداً بالنظر إلى تمكنهم من نحت هذه الخربشات الطويلة كلها… أو لعل الكثيرين غيرها سبق أن مروا بوضعها هذا، فأنفقوا ساعات طويلة أو ربما أيام، في سرد رحلتهم داخل العلبة العتيقة، قرأت
سين وميم معاً إلى الأبد. هممم. أتساءل إن كانا ما يزالان معاً. أم أن الأبد مدته مدة اللحظة التي حفر فيها سين (أو ميم) جملته فوق اللوح المصفر؟ أو ربما يدوم الأبد طيلة فترة الصرخة التي هتف فيها الحبيبان: نحن معاً إلى الأبد. ففي تلك الثواني المعدودات صدق يجعل المرء يخال أنه. فعلاً يملك مفاتيح الأبد في يده. أبدنا هو إذا تلك اللحظات التي ننعم بها الآن، هو فكرة بقائنا معاً لا هذا البقاء بحد ذاته، هو ذلك الاعتقاد الساذج أن الحب سيقهر كل العوائق بطريقة من الطرق، في يوم من الأيام
“هه! سيكون هذا خبر الموسم، حين أخبر الجميع أين قضيت عيد الحب هذه السنة. في الواقع. بعد التفكير، لا أظن أن هذا يخالف توقعاتي تماماً. كل ما في الأمر أن المكان أضيق مما تخيلته، أما الأفكار والهلوسات فلا تخرج عن نطاق المألوف كثيراً”
بعد قليل تناهى إليها عواء الجوع في معدتها. لنر ما في الحقيبة: محفظتها طبعاً. وبضع قصاصات قديمة تحمل أرقاماً لم تتصل بها يوماً، وحزمة كبية من المفاتيح، و… يالحظها!، نصف لوح من الشوكولا!… كيف يعقل أنها تركته ينجو من قبضتها؟ فضلاً عن مرآة صغيرة، ومنديل، وقلم رصاص.. حمداً لله أنها لم تتخل عن عادة وضع الأقلام في حقيبتها. سوف تكتب خواطرها الأخيرة، في حال لم يكتب النجاة من أزمتها، وستتركها لمن يسعفه الحظ باكتشاف كنزها الورقي! ستكتب كل ما تريده. وكل ما يخطر في بالها. آه أرادت أن تخط على باب المصعد عبارة تافهة إضافية تشير إلى أنها “مرت من هنا”
حانت منها إلتفاتة إلى ساعتها. لما لم يتصل بها أحد حتى هذا الوقت؟. ألم يشعر أحد بوطأة غيابها؟ ألا يشكل غيابها أي فرق بالنسبة لأحد؟ ثم ما بال هذه البناية المهجورة هل فرغت سكانها؟ لكأن الهواء بدأ ينفذ من حولها. تعب شديد يتحكم بها، لم تملك إزاءه إلا أن تذهب في إغفاءة طويلة، طويلة جداً
يا آنسة.. يا آنسة -
شعرت بيد تهزها. فتحت عينيها وهي تتلفت من حولها يضياع و غرابة. ثم نظرت إلى السيدة الواقفة عند باب المصعد
يا آنسة، عودي إلى بيتك. ليس مصعدنا بفندق -
حين استعادت رباطة جأشها، ضحكت ضحكة خافتة، ثم وثبت من جلستها على عجل، وطبعت على وجنة السيدة قبلة سريعة
فندق! ها! باي! كل حب وأنتي بخير -
رمقتها السيدة بنظرات استهجان وما لبثت أن هزت برأسها متمتمة:
“يا لشباب هذه الأيام!”