حين يبدأ موسم الشتاء، وتبدأ الجردة النسوية السنوية (عجبتني هي!) في البيت. ونتيجة لهذه الجردة، حدث ما كنت أخشاه، ووقع المحظور: علي أن أقوم بتلك الرحلة الرهيبة! علي أن أكبت صرخاتي وألجم شكاواي ، وأستعد لخوض كابوسي الأفظع وسبر أغوار شتى، بحثاً عن… حذاء. (إيه، شو كنت متوقعين يعني؟)
شراء الحذاء المناسب.. العثور على القالب عينه الذي نحت من أجلك أنت أليست مهمة شاقة ومستحيلة؟ وكيف إذا كان عليك تأمل الواجهات حانقاً بكل ما تعرضه عليك من أحذية السندريلا، ولسان حالك يقول: ما عندك نمرة أكبر؟
ما علينا، مر الأمر بسلام. لكن العواقب أختبرها الآن: ألم مبرح في قدمي بفعل الحذاء الجديد، وصعوبة في السير، وشتائم سرية ما زلت أكتمها في حق تجار الأحذية جميعهم. (بتأسف إذا في شي بياع سكربينات عم يقرا؟
أظن أنه يمكن الاستنتاج أن تاريخي مع الاحذية ليس مشرقاً إلى هذا الحد. إذا لم تقتنعوا إليكم الحادثة التالية:
المكان: مبنى من المباني القديمة بالشام
الزمان: قبل حوالي سنة ونصف
كنت باستضافة صديقة لي تسكن في الطابق الرابع من بناية لا مصعد لها، بل سلالم حجرية متراصة يعتبر نزولها كل مرة أشبه بمجازفة يومية. وقد أخبرتني أن والدتها، أثناء حملها كانت تخصص نصف ساعة للخروج بمساعدة زوجها، بدءًا من باب البيت وحتى المدخل السفلي. المهم… طبعاً في أحد الأيام صار يلي صار ومحسوبتكون زحطت!. كانت زلة من أعلى السلم وحتى أسفله، طويلة بحيث استطيع أن أشعر بكل درجة وهي تدك ظهري، وفي الوقت عينه سريعة بحيث أمد يدي لأمسك بأحد عواميد الدرابزين لكن من غير جدوى.. وطويلة بحيث كشف أمامي عن مشاهد متوالية من شريط حياتي، وسريعة بحيث لم تسمح لي حتى بأن أستوقفها للتفاوض: “طب إنو لحظة، ما بيصير هيك، خلينا نحكي كلمة، روقيها علي شوي!”
وفي نهاية المطاف، حين توقف كل شيء، وسكنت الحركات جميعها، بقيت لدقائق أحدق في السقف بجمود، وأنا أمنح نفسي وقتاً لأستوعب الوضع الجديد. كنت متوقعة أن يكون طرف أو طرفان من أطرافي على الأقل قد تهمشا تماماً. لكن كم كانت دهشتي عظيمة حين تحسست يدي ورجلي وتأكدت من أنني لم أصب حتى بخدش. في الواقع، ما زال هذا سراً لا أستطيع أن أفهمه حتى اليوم، ولكن كم أحب أن أفكر في أن العناية الألهية تلطفت بي في تلك اللحظة. الضحية الوحيدة في هذا الحادث الغريب كانت جزمتي طبعاً التي تحولت إلى شظايا وباتت بحالة لم أر حذاء عليها في حياتي قبلاً قط. أخيرا، لم أملك إلا أن أجمع أشلاءها المتناثرة، ثم أجاهد للوقوف وكأن شيئاً لم يكن، في ظل جو صامت يوحي بأنني في بناية خالية من السكان. وبكل بساطة عدت أدراجي إلى المنزل بحثاً عن جزمة الإنقاذ
واليوم، من جديد، الأحذية “عملت عملتها السودا” معي. يقولون لي: “امنحيه بضعة أيام وسرعان ما ستعتاده قدمك ويكف عن تعذيبك.” فأنظر إليهم بانشداه كمن يقول :” إنو، هلأ عم بتقلولي، إنو يعني قصدكم إني إرجع إلبسه بكرة وبعدو وبعدو، وأنا بكامل قواي العقلي؟ إيه، لأ!