Monday, April 9, 2007

وحيدة في أرض غريبة

حبّة، تلو حبّة، تلو حبة… إحصاء الحبوب التي تناولتها في ساعتين بات مسألة عسيرة. أمست الآن تبتلعها بطريقة آلية: تتجه نحو خزانة الأدوية، ويدها تمسك بأسفل بطنها، فيما اليد الآخرى تبحث عن ملاذ فوق سطح الجدار البارد، ثم تروح تبعثر العلب المتكدسة، وهي بالكاد تبصر المعالم أمامها. تبتلع حبتي مسكن بسرعة. دونما حاجة حتى إلى كوب ماء. تبتلعهما وتغمض عينيها. تتذكر جدة صديقتها الكفيفة حين كانت تقول لها: “عندما تغمضين عينيك، يصبح العالم أكبر”… تغمض عينيها فيغدو الوجع أكبر
ما من أحد في المنزل غيرها، والألم يتزايد مع تقدم الدقائق والساعات. زيارته الشهرية تسلب منها، في كل مرة، بعضاً من ضحكاتها. الأنين يتحول تهدجاً، فصراخاً بلا أصداء، وما يلبث أن يستحيل صوتاً غير بشري، يصطدم بجدار خفي أمامها، فيستكين لثوان معدودة، قبل أن ينطلق بكل قوة من جديد. تحاول أن تغرز أسنانها في المخدة المبللة، لكنها سرعان ما ترمي بها بعيداً بما بقي لديها من ذرات صلابة واهنة. يجتاحها شعور بالغثيان، فيخيل إليها أن يداً مجهولة لا تنفك تطعن أحشائها ركبتاها تصطكان، فتجذب إليها الغطاء في لحظة، لتعود فتبعده عنها بنفور في اللحظة التالية. لا تدري ماذا تفعل. تمشي قليلاً لا، فهذا لا ينفع. تجلس.. تتكور على نفسها، فتكاد أنفاسها المكتومة أن تخنقها. كل حركة تنفث في أوصالها سمها البارد. إنها لتبذل أي شيء في هذا اللحظة. لتبيع روحها البائسة. فهل من يشتري؟.. هل من ينتزع أوردتها وريداً وريداً كي تذهب وترقد في جنائن بعيدة؟
تشعر أن الألم يرتفع بها إلى مستوى سام. إلى أرض بيضاء، حيث الضباب الكثيف، وحيث المرء ينسى أسمه، وعائلته، وكل العالم من حوله.. أرض الكفرة واليائسين ومن يبيعون أرواحهم لشياطين مجهولة.. الاأرض التي ينتحر فيها معذبوك، حين يكتشفون أن خط النهاية لا يدور على نفسه.. أرض الجلادين المضربين عن العمل، لأن ألوان الويل التي شوهوا بها وجهك قد استنفدتها كلها. الأرض حين تغمس هي ريشتها في ألوان الألم، بكل عمد، وقسوة، واستهزاء، وفراغ، كي تبلغ، شيئاً فشيئاً، مرحلة النشوة
“الأرض اليباب”
ويبصقها الضباب إلى أرض أخرى. إنه الواقع من جديد. يردها إليه رنين مفاجئ.
آلو؟ آلو؟

في الخلفية يتناهى إليها لحن مألوف. نغمة فيروزية تنشد “صباح ومسا شي ما بينتسى..” لا تدري بالضبط متى إنزاح عنها ثقل الساعتين الماضيتين، ومتى بدأ النعاس يهدهدها. على أرجوحة السماعة، حين يشدو لحن أرضها القديمة، تغفو بوداعة
8/4/2007